مه وأخوه.. جثّتان هامدتان، وهو يجلس بجوارهما يستنجد العالم، وبينه وبين العالم دبابات العدو الإسرائيلي تحاصر داره المتهدِّمة.. لم يكن يطلب إلا أن يخرج من تلك الوحشة القاتلة بجوار جثتي أمه وأخيه، وأن يتمكن من دفنهما في قبرين صغيرين.. ولكن صرخاته كانت تتلاشى أمام جبروت اليهود، وصَمْت العالم صورة مأساوية رأيناها جميعاً عبر وسائل الإعلام المختلفة.
بين أمِّي وأخي، كيف أنامُ
ليلةٌ أهونُ ما فيها الظَّلامُ
جُثَّةٌ هامدةٌ أمِّي أمَامي
آهِ كم يجرحُني هذا الأمَامُ
وأخي الغالي هنا، يالَهْفَ نفسي
جُثَّة أَذْبلَها الموتُ الزُّؤامُ
بين أمّي وأخي، بين حُطامٍ
آه مما ضمه هذا الحطام
نَكْهَةُ الموتِ هنا تخنُقُ صدري
وزوايا منزلي الغالي رُكَامُ
دَمُ أُمِّي وأَخي يرسمُ حَوْلِي
صورةَ الرُّعْبِ، وللحُزْنِ ضِرَامُ
صورةٌ قاتمةٌ أبصرتموها
وعلى أعينِكم منها جَهَامُ
رُبَّما«حَوْقَلَ» منكم مَنْ رآها
وعلى شاشَتِه منها قَتَامُ
ثم أرخى طَرْفَهُ حيناً، فلمّا
َسكَنَتْ آلامُه لذَّ المنامُ
سَكَرَاتُ الموتِ تَشْتدُّ أمَامِي
وَأَنيُن الأُمِّ في قلبي سِهَامُ
وأخي حاول أَنْ ينطقَ، لكنْ
فاضتِ الرُّوحُ وما تمّ الكلامُ
كلُّ شيءٍ ها هنا صار مُخيفاً
بعد أَنْ قَوَّضَ أحلامي الحِمَامُ
ها هنا الإرجافُ والغَدْرُ انتصارٌ
وهنا الإنصافُ والعدلُ انهزامُ
حاصروني، وأخي يَنْزِفُ عندي
وَدَمُ الأُمِّ على الأَرضِ سِجَامُ
وبقايا الدارِ سِرْدابٌ مُخيفٌ
لم يَعُدْ فيها لأَحبابي مُقامُ
وعلى ناصية الشارعِ جيشٌ
من قرودٍ، كلُّ مَنْ فيه لِئَامُ
آلة الحرب هنا، آلة موتٍ
زادُها اليوميُّ بنتٌ وغُلامُ
زادُها ليلى وإيمانٌ وسُعدَى
ونضالٌ وجهادٌ وعصامُ
زادها اليوميُّ أَشْلاَءُ نساءٍ
وشيوخٍ وهَنَتْ منها العِظَامُ
زادُها في رَحِم الأُمِّ جَنينٌ
ورضيعٌ لم يفارقْهُ الفِطَامُ
آلةُ الحرب هنا وحشٌ مخيفٌ
هائجٌ، غايتُه الكبرى انتقامُ
يا نظامَ الدُّولِ الكُبرى سَمِعْنَا
منكَ لوماً، عجباً كيف نُلامُ؟!
أَتُلامُ امرأةٌ ثَكْلىَ تُنادِي
أَيُلامُ الشَّعبُ بالقهرِ يُسَامُ؟!
أمن الإِرهابِ شارونُ بريءٌ
وهو بالقتل شَغُوفٌ مُسْتَهامُ؟!
أيُّ مِكْيالَينِ ياقومُ لدَيْكمْ
بهما يُلْقَى إلى الَجوْرِ الزِّمامُ؟!
لست أدري، ما الذي تعني لديكم
حُرْمَةُ النَّاسِ، وما يعني السَّلامُ
لكَأَنّي بلسانِ الأرضِ يشكُو
مثلما تشكو من الظلم رِهَامُ(*)
بين شارونَ وبينَ الصَّمْتِ منكمْ
لم يعد للشر في الأرض لِجَامُ
فِتَنٌ أَبْصَرَتِ الشِّيشانُ منها
مارَأتْ كابولُ والأَقصى وجَامُو
أَلْفُ شارونَ هُنَا يا قومُ، أعْدَى
مَنْ يُعاديهمْ وفاءٌ والتزامُ
حاصروني هاهنا، للقصف حولي
دَمْدَمَاتٌ، ولآلامي احتدامُ
هذه داري وربِّ البيت هذا
مسجدٌ يعرفني فيه الإِمامُ
هاهنا صلَّى أبي الغالي وجدِّي
ها هنا قاموا من اللَّيل وصامُوا
ياكرامَ الناسِ في الأرضِ، أَجيبُوا
صرختي، لا تخذُلوني ياكرامُ
أنا لا أطلبُ من تُرْبَة أرضِي
غيرَ قبرينِ، فَهل هذا حرامُ؟!
امنحوني حفرةً، أدفنُ أمِّي
وأخي، فالدَّفن للموتى لِزَامُ