إن الخوف من الله –تعالى- من أجل العبادات ومن أعظم القربات، فهو الذي يحول بينكم وبين محارم الله -عزَّ وجل- ومعاصيه، فلله ما أعظمه! ولله ما أحوجنا إليه! ولله ما أحسن عاقبته في الدنيا والآخرة! إذ بالخوف ينزع العبد عن المحرمات وبه يُقْبِل على الطاعات، فهو والله أصل كل فضيلة وباعث كل قربة.
وبالخوف يستيقظ القلب من غفلته، وينتفع بالإنذار ويتأثر بآيات القرآن قال الله تعالى: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى*إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه: 3،2]، وقال سبحانه: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 23].
إن الخوف من الله –تعالى- هو من أخص صفات عباد الله المتقين وأوليائه المحسنين: قال الله –تعالى-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} [الأنفال : 2]، قال الإمام الطبري -رحمه الله-: "المؤمن هو الذي إذا ذُكِر الله؛ وَجِل قلبه، وانقاد لأمره، وخضع لذكره؛ خوفاً منه وفرقاً من عذابه".
لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- شديد الخوف من الله عظيم الخشية له مع ما خصَّه الله -سبحانه وتعالى- به من الخصائص والفضائل والهبات، ففي الصحيحين قال -صلى الله عليه وسلم-: (فوالله إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية)[1]، وعن عبدالله بن الشِّخِّير -رضي الله عنه-قال
أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي وله أزيز كأزيز المرجل من البكاء)[2] رواه أحمد وغيره.
أيها المؤمنون هذا نبيكم -صلى الله عليه وسلم- غُفِر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر بلغ الغاية في العمل والطاعة، ومع ذلك كله كان شديد الخوف من ربه، حتى كان أكثر دعائه كما في جامع الترمذي: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)، وكان من دعائه كما في صحيح مسلم: (اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك)[3].
ومن علامات خوف الله –تعالى- وخشيته: عدم الأمن من عذاب الله وعقابه وسخطه، قال الله -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ*وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ*وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ*وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 57-61]، فهؤلاء قوم حسُنت أعمالهم، وطابت سرائرهم، وزكت قلوبهم، واستقامت جوارحهم، إلا أنهم مع ذلك لم يأمنوا عقاب الله وعذابه، فقلوبهم وجلة خائفة أنهم إلى ربهم راجعون.
نقلًا من موقع الشيخ: خالد بن عبدالله المصلح -حفظه الله-
(بتصرف)