في حب الحبيب اتوب واستجيب

الحوار الثاني ..... في حب الحبيب أتوب و أستجيب
بعد فترة ليست بالطويلة .... رجع الشاب الحائر إلى شيخه .... ترتسم على وجهه خليط من علامات التعجب و الذهول و الحزن .... شد مظهره انتباه الشيخ .... فسارع الشيخ بالنداء على الشاب قبل أن يبدأه التحية

الشيخ / السلام على من أحبه في الله .... و أسأل الله أن يحبه

الشاب / أنا لا أتسحق حب الله ..... أنا مذنب .... خنت العهد من جديد .... أنا .... أنا .... ائذن لي بالانصراف

الشيخ / إذا رجعت أنا عنك ...... فلن يرجع عن انتظارك ربك

الشاب / ربي ينتظرني أنا .......

الشيخ / نعم ..... ليفرح بتوبتك إليه .... و يعفوا و يصفح .... و يبدل سيئاتك حسنات

الشاب / أنا لا أستحق هذا التكريم ..... إن لله جنوداً يصدقون العهد ... يقولون الحق ... يفعلون ما يأمرهم به الله .... أما أنا .... فلست كذلك ....

الشيخ / قبل أن يكونوا كذلك .... كانوا مثلك .... كلنا لنا نفس البداية .... نفس الطريق .... نفس الألم .... نفس الرجاء في الله .... نفس الانكسار إليه .... نخاف من ألا يقبل الله قليل أعمالنا الصالحة .... أمام سيئات عجزنا عن عدها و حصرها ..... لكن ..... لكن ... رجاءنا في الله أكبر من أي شيء .

الشاب / كانوا مثلي أنا !!!! ..... كان لهم قليل صالح .... أما أنا فلا أملك إلا الانكسار إليه من فرط ذنوبي ... وما فرطت في حق الله ..... أبعد كل هذا يفرح بي ؟ .... كنت أتمنى أن آتيه بعمل خير أتقرب به إليه .... وجدتني لا أملك إلا الضعف و الهوان

الشيخ / من انكسر لله ليس بضعيف و لا هين ..... بل مجاهد .... في جهاده الأكبر .... مسلم

الشاب / كنت أراني أقدر على أكثر من ذلك بكثير .... كنت أراني عند توبتي بطلاً في ميادين الخير .... عدت مهزوماً مطروداً منه لا أستحقه

الشيخ / لم تطرد أبداً من الخير ... بل أنت أهله .... و تسير في خطوات التائبين .... ربما تتعثر قدماك حتى تتعلم .... لكن الخير فيك وفي أمة محمد حتى تقوم الساعة .... إن للخير رجالاً أنت منهم

الشاب / لست منهم .... صدقني ..... إنني إذا خيرت بين العمل و الكسل ... اخترت الكسل ... و إذا خيرت بين الصلاة و اللهو اخترت اللهو .... و إذا خيرت بين الطاعة و المعصية ..... اخترت المعصية ..... و إذا ذكرت بربي لا أذكر .... و إذا نهيت عن ذنب لا أنتهي إلا بقول لا أقدر على تحقيقه في وقته ..... أبعد كل ذلك تقول أنني من أهل الخير ..... كيف بالله عليك.... لا تواسيني ..... أنا أعلم قدري ..... صاحب ذنب ثقييييييييل .... كلما تخلصت منه ... لأنطلق إلى ربي ...... أجدني ماض في جمع ذنوب غيرها ... فأضيفها إلى سابقتها ..... كل ذلك و تقول أنني لا أطرد من الخير .

الشيخ / نعم .... إن للذنب رب يغفره للتائبين إليه .... و للخير رب ينصره و يختار رجاله .... ولتوبتك رب يوفقك إليها
الشاب / لا أفهم شيخي الكريم .... علمني .... انفعني بما عندك ... أنا أحوج ما أكون إليه الآن

الشيخ / متى تتوب إلى ربك ؟
أجيبك أنا .... بعد الذنب
لماذا لا تتوب إلى الله في كل وقت .... قبل الذنب ... أو بعده ... لماذا لا تحب التوبة لمجرد أنها رجوع
للحبيب .... حباًَ في الحبيب

متى تبكي خوفاً منه سبحانه ؟
أجيبك أنا ...... بعد الذنب .... لماذا لا تبكي خوفاً منه في كل وقت .... لماذا لا تحب ذكره لمجرد أنها
خوف من ربك الحبيب .....

الشاب / إذا هي التوبة و الخوف من الله في كل وقت .... وليس وقت الذنب فقط ....

الشيخ / كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يستغفره و يتوب إليه سبحانه في اليوم أكثر من سبعين مرة

الشاب / إذاً لا أنتظر الذنب حتى أتذكر ذنوبي و أتوب إلى الله منها .... و لكن أتوب إليه في كل وقت أحياه

الشيخ / بل إنك تتوب إليه لتحيا ....
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ
وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }الأنفال24

الشاب / ..... سمعنا و أطعنا غفرانك ربنا ..... لكني أخاف أن أعود لما لم أستطع تركه

الشيخ / إذا جاءك رجل ليأخذ منك حياتك ..... ماذا ستفعل ؟

الشاب سأدافع عن نفسي بكل ما أملك .

الشيخ / هذا هو الشيطان يريد أن يسلبك حياة إيمانك ..... هل تتركه ؟؟؟؟

الشاب / لا .... لكن ماذا أفعل لكي أدافع عن نفسي ؟؟؟؟
الشيخ / {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ }الحج38

الشاب / فهمت .... أستعن بالله ولا أعجز ...... و ألجأ إليه و أدعوه .... لكن .... ماذا إن عدت ... ونجح في قتل إيماني

الشيخ / لن يقتل إيمانك ..... فقط الله وحده يحيي ويميت ..... لكن فقط سيضلك عن نور الله .... فإن ضللت فعد إلى ربك مسرعاً مستغفراً ..... وأكمل السعي

الشاب / وكيف يضلني الشيطان ؟؟؟؟

الشيخ / {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }البقرة268

و إياك وحزن الشيطان
الشاب / حزن الشيطان .... أويستفيد الشيطان من حزني .... كيف ؟
الشيخ / {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
الْمُؤْمِنُونَ }المجادلة10
الشاب / توكلت على الله العزيز الحكيم ..... ولكن ماذا إن غلبني بعد أن لجأت إلى الله .
الشيخ / حين تكون في معركة جهاد لله سبحانه ..... وهزمك عدوك في معركة .... ماذا ستفعل ؟
الشاب / معركة .... أوأنا في معركة ؟
الشيخ / إنك في جهاد أكبر من ضرب السيوف يا بني .... يحتاج أن تتعلم فيه بكفاءة استخدام كل سلاح من أسلحة المؤمنين في جهادهم الأكبر ..... إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال بعد عودته من احدى الغزوات ... فيما معناه .... فرغنا من الجهاد الأصغر .... وجئنا للجهاد الأكبر .
الشاب / جهاد ..... و أسلحة ..... علمني يا شيخي .... إني مشتاق لأن أعرف .
الشيخ / نعم جهاد .... اسمه جهاد النفس .... لكن أجبني أنت أولاً ..... إذا كنت في معركة و هزمك عدوك .... ماذا ستفعل ؟
الشاب / سأبحث له عن سلاح أنتصر به عليه ؟
الشيخ / أحسنت الإجابة .... إن التائب في بداية توبته لا يملك في البداية إلا النية و العزم
الشاب / العزم على ما يا شيخي ؟
الشيخ / العزم على السير على الصراط المستقيم .... حسب ما يتعلم من أوامر و نواهي هذا الدين الحنيف ليطبقها في حياته
الشاب / حسناً و يبدأ السير
الشيخ / لا تتعجل ..... ليس بتلك السهولة يكون السير على الصراط المستقيم .... بل سيجد عدوه عند بداية الطريق المستقيم بل و حتى نهايته يزين له الشيطان كل طريق يخالف الطريق المستقيم ... ويستغل الشيطان في البداية عدم إتقان التائب استخدام أسلحته التي يتعلمها ....
{فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }الأنعام43
الشاب / مهلاً شيخي الكريم ..... سيجد التائب الشيطان عند بداية الطريق ليزين له أي طريق آخر غير الطريق المستقيم ..... وهل سيستمع له التائب بسهولة
الشيخ المحب لله الجاهل بأسلحته سهل الانقياد يا أخي .... أما تتذكر أن المؤمن العالم أصعب في عداوته لإبليس ألف مرة من المؤمن الغير عالم
الشاب / نعم ..... تذكرت ..... وحينها سألتك عن نوع العلم .... قلت فيما أذكر كل علم ينفع المسلمين ... كل علم يعز المسلم ... ويفرح الله بعبده حين يتعلمه
الشيخ / أحسنت ..... أما قلت لك أنك شاب خير ..... الشيطان يزين للتائب العائد لربه كل طريق يخالف طريق العودة لله .... وقد يستخدم سلاح الخوف ليزيد من إتقان عمله
{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }آل عمران175
الشاب / الشيطان يتقن عمله ..... و التائب لا يتقن علمه و عمله
الشيخ / لا يا بني .... بل التائب في طريقه لإتقان علمه و علمه .... في البداية علمه و عمله يكونان غير مكتملين .... لكن يكملهما مع العزم و التوبة و باستخدام أسلحته
الشاب / و ما هي أسلحة المسلم التائب شيخي الكريم أكرمك الله ؟
الشيخ / بل دعنى أسألك أنا أولاً ..... ما هي أسلحة عدوك التي تعلمتها حتى الآن ؟
الشاب / أنه يزين أي طريق غير طريق الله .... و يخوف من السير فيه .... ثم .... ثم ...
الشيخ / الحزن .... لا تنس الحزن و اليأس من رحمة الله ..... إنه سلاح مهم يستخدمه مع كثيرين .... فلا يرجعون إلى الله بعد ذنبهم .... رغم أنه ينتظر توبتهم سبحانه .... ويفرح بها ... لكن الشيطان يستخدمه بمهارة مع البعض ظانين أنهم بفرط لومهم لأنفسهم و حزنهم و يأسهم يزيدون من تقواهم لله ....
الشاب و هم بذلك يسيرون في طريق يأسهم من طريق الله ..... أشعر أن هذا السلاح استخدمه الشيطان معي يا شيخي ...... لكن بعد ما تعلمت .... أستغفر الله العظيم و أتوب إليه .... جزاك الله خيراً يا شيخي الكريم .... لكن ماذا عن أسلحة التائب يا شيخي ؟
الشيخ / أسلحة كثيرة .... لا أقدر على حصرها .... لكن أهمها ... الاستعانة بالله عز وجل
{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }الأعراف200
الشاب / أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ..... و ما غيرها ؟
الشيخ / الدعاء لله عز وجل .... إنه من أهم الأسلحة ..... الدعاء ....ثم ..... العلم و العمل
الشاب / أي علم .... و أي عمل ؟
الشيخ / {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }التوبة115
فالتقوى هي العلم بما بينه الله من أوامر و نواهي .... و العلم بكل علم نافع ينفع المسلمين و يكفيهم عن اللجوء لغيرهم
الشاب / ثم ماذا ؟
الشيخ / تعلم ... ما تعلمت اليوم .... وحاول تطبيقه .... ثم يفتح الله لنا من فضله في مرة قادمة ...بعد أن تكون قد حاولت تطبيق ما تعلمت اليوم يا بني .... لا تتعجل .... إن ما تعلمت اليوم يحتاج لعزم تتذكر فيه كل قوة تجمعها من الله
{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً }طه115
الشاب / جزاك الله عني خيراً يا شيخي الكريم .... ادع لي الله بالخير ... و العزم ...و الثبات على الحق
الشيخ / ادعه أنت هو أقرب لك .... إنه لازال ينتظرك ....
الشاب / أرجع إليه تائباً ..... متعلماً .... مجاهداً ..... منتصراً على حزن الشيطان .... آملاً في فضل الله .... عازماً على الخير ..... ملتفتاً عن زينة أي طريق يخالف طريق الله ..... مستخدماً لكل أسلحتي مستغفراً ذاكراً حامداً شاكراً له سبحانه في كل وقت و أوان
الشيخ / عرفت فالزم ........ عرفت فالزم .....
الشاب / و ما توفيقي إلا بالله
بقلم
محمود كرم الدين