ضوء الشمس يتسلل ببطء يعلن قدوم النهار وانحسار الظلام لتبدأ معركة البحث عن الرزق وهو متدثر في فراشه غارق في نوم عميق فاقد الإحساس بما حوله، شخيره يتردد في الغرفة بلا انقطاع معزوفة على وتيرة واحدة لا تتغير لا يستمتع بها سوى من ولج إلى تلك الغرفة المظلمة التي تفتقر إلى النظام والترتيب فخزانة الملابس ذات الأبواب الخمسة كان اثنان منها مشرعين تصدران صريرا عند إغلاقهما وفي إحدى الزوايا طاولة مسندة إلى الجدار هجم عليها الغبار فأود بريقها ولمعانها يعلوها مرآة ذات برواز خشبي أصابها شرخ في طرفها فغدت كحال الأرض التي أصابها الجدب، كانت تلك الطاولة تحوي أدواته فهذه صبغة شعر وزجاجتان من العطر إحداهما فارغة والأخرى لا يوجد بها إلا القليل بالقرب منهما نظارته ومشط بلاستيكي مكسور من منتصفه..
جاءت دقات الساعة التي كانت بجانب سريره لتخبره بقرب حلول موعد العمل استيقظ ورفع الغطاء عن وجهه وفتح عينيه ثم أغمضهما وعركهما بعدها نهض بتثاقل وكاد أن يترنح، فالنوم مازال يسيطر عليه والكسل غامر جسده قاوم قليلا وجمع قواه ونهض بسرعة انطلق إلى عمله لكن هذه المرة لم يغلب عليه الحماس والجد بل كان مترددا خطواته بطيئة لا تعرف الجدية في السير زاد عليها عمره الذي زحف نحو الكبر حادا من طاقته التي بدأت في النضوب يدلف إلى المدرسة ويحدث نفسه لقد جاء التقاعد انه اليوم الأخير سوف يغادر المدرسة من غير رجعة يجول ببصره وترسم الذكريات سنوات العمر التي أمضاها فيها ليخرجه من حالته صوت التلميذ الذي أشار إليه من عند باب الفصل يا أستاذ.. يا أستاذ انك عندنا فنحن في انتظارك ادخل إلى الفصل وراح يتفحص وجوه طلبته في صمت كانت نظراته تحمل الوداع سعل وكح وامسك الطباشير ورفعها بالقرب من عينه فقال في نفسه لن أمسكك ولن أكون في حاجة إليك بعد اليوم لقد قضيت معك عمري وأنا كل يوم أداعبك بين أناملي خط درسه على السبورة وشرع في شرحه حتى قرع جرس الحصة معلنا نهايتها.
منقول