السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
1-
قصة اهل الكهف
في زمان ومكان غير معروفين لنا الآن، كانت توجد قرية مشركة. ضل ملكها وأهلها عن الطريق المستقيم، وعبدوا مع الله مالا يضرهم ولا ينفعهم. عبدوهم من غير أي دليل على ألوهيتهم. ومع ذلك كانوا يدافعون عن هذه الآلهة المزعومة، ولا يرضون أن يمسها أحد بسوء. ويؤذون كل من يكفر بها، ولا يعبدها.
في هذه المجتمع الفاسد، ظهرت مجموعة من الشباب العقلاء. ثلة قليلة حكّمت عقلها، ورفضت السجود لغير خالقها، الله الذي بيده كل شيء. فتية، آمنوا بالله، فثبتهم وزاد في هداهم. وألهمهم طريق الرشاد.
لم يكن هؤلاء الفتية أنبياء ولا رسلا، ولم يتوجب عليهم تحمل ما يتحمله الرسل في دعوة أقواهم. إنما كانوا أصحاب إيمان راسخ، فأنكروا على قومهم شركهم بالله، وطلبوا منهم إقامة الحجة على وجود آلهة غير الله. ثم قرروا النجاة بدينهم وبأنفسهم بالهجرة من القرية لمكان آمن يعبدون الله فيه. فالقرية فاسدة، وأهلها ضالون.
عزم الفتية على الخروج من القرية، والتوجه لكهف مهجور ليكون ملاذا لهم. خرجوا ومعهم كلبهم من المدينة الواسة، للكهف الضيق. تركوا وراءهم منازلهم المريحة، ليسكنوا كهفا موحشا. زهدوا في الأسرّية الوثيرة، والحجر الفسيحة، واختاروا كهفا ضيقا مظلما.
إن هذا ليس بغريب على من ملأ الإيمان قلبه. فالمؤمن يرى الصحراء روضة إن أحس أن الله معه. ويرى الكهف قصرا، إن اختار الله له الكهف. وهؤلاء ما خرجوا من قريتهم لطلب دنيا أو مال، وإنما خرجوا طمعا في رضى الله. وأي مكان يمكنهم فيه عبادة الله ونيل رضاه سيكون خيرا من قريتهم التي خرجوا منها.
استلقى الفتية في الكهف، وجلس كلبهم على باب الكهف يحرسه. وهنا حدثت معجزة إلاهية. لقد نام الفتية ثلاثمئة وتسع سنوات. وخلال هذه المدة، كانت الشمس تشرق عن يمين كهفهم وتغرب عن شماله، فلا تصيبهم أشعتها في أول ولا آخر النهار. وكانوا يتقلبون أثناء نومهم، حتى لا تهترئ أجاسدهم. فكان الناظر إليهم يحس بالرعب. يحس بالرعب لأنهم نائمون ولكنهم كالمستيقظين من كثرة تقلّبهم.
بعد هذه المئين الثلاث، بعثهم الله مرة أخرى. استيقضوا من سباتهم الطويل، لكنهم لم يدركوا كم مضى عليهم من الوقت في نومهم. وكانت آثار النوم الطويل بادية عليهم. فتساءلوا: كم لبثنا؟! فأجاب بعضهم: لبثنا يوما أو بعض يوم. لكنهم تجاوزوا بسرعة مرحلة الدهشة، فمدة النوم غير مهمة. المهم أنهم استيقظوا وعليهم أن يتدبروا أمورهم.
2-
فأخرجوا النقود التي كانت معهم، ثم طلبوا من أحدهم أن يذهب خلسة للمدينة، وأن يشتري طعاما طيبا بهذه النقود، ثم يعود إليهم برفق حتى لا يشعر به أحد. فربما يعاقبهم جنود الملك أو الظلمة من أهل القرية إن علموا بأمرهم. قد يخيرونهم بين العودة للشرك، أو الرجم حتى الموت.
خرج الرجل المؤمن متوجها للقرية، إلا أنها لم تكن كعهده بها. لقد تغيرت الأماكن والوجوه. تغيّرت البضائع والنقود. استغرب كيف يحدث كل هذا في يوم وليلة. وبالطبع، لم يكن عسيرا على أهل القرية أن يميزوا دهشة هذا الرجل. ولم يكن صبعا عليهم معرفة أنه غريب، من ثيابه التي يلبسها ونقوده التي يحملها.
لقد آمن المدينة التي خرج منها الفتية، وهلك الملك الظالم، وجاء مكانه رجل صالح. لقد فرح الناس بهؤلاء الفتية المؤمنين. لقد كانوا أول من يؤمن من هذه القرية. لقد هاجروا من قريتهم لكيلا يفتنوا في دينهم. وها هم قد عادوا. فمن حق أهل القرية الفرح. وذهبوا لرؤيتهم.
وبعد أن ثبتت المعجزة، معجزة إحياء الأموات. وبعدما استيقنت قلوب أهل القرية قدرة الله سبحانه وتعالى على بعث من يموت، برؤية مثال واقي ملموس أمامهم. أخذ الله أرواح الفتية. فلكل نفس أجل، ولا بد لها أن تموت. فاختلف أهل القرية. فمن من دعى لإقامة بنيان على كهفهم، ومنهم من طالب ببناء مسجد، وغلبت الفئة الثانية.
لا نزال نجهل كثيرا من الأمور المتعلقة بهم. فهل كانوا قبل زمن عيسى عليه السلام، أم كانوا بعده. هل آمنوا بربهم من من تلقاء نفسهم، أم أن أحد الحواريين دعاهم للإيمان. هل كانوا في بلدة من بلاد الروم، أم في فلسطين. هل كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم، أم خمسة سادسهم كلبهم، أم سبعة وثامنهم كلبهم. كل هذه أمور مجهولة. إلا أن الله عز وجل ينهانا عن الجدال في هذه الأمور، ويأمرنا بإرجاع علمهم إلى الله. فالعبرة ليست في العدد، وإنما فيما آل إليه الأمر. فلا يهم إن كانوا أربعة أو ثمانية، إنما المهم أن الله أقامهم بعد أكثر من ثلاثمئة سنة ليرى من عاصرهم قدرة على بعث من في القبور، ولتتناقل الأجيال خبر هذه المعجزة جيلا بعد جيل
فهل استقيزت قلوبنا
- - - - -
-1-
في مكان ما بين مدينة حلب وميناء طرسوس، يقع سهل منبسط واسع ،وحوله جبال عالية وهضاب ممتدّة...في هذا المكان توجد مدينة صغيرة يعيش أهلها في رغد من العيش، وفي سلام بالرغم من اختلاف عقيدتهم الدينية، فمنهم من يعبد الله ، ومنهم من يعبد الأصنام،وكان يحكم هذه المدينة ملك جبار مال إلى عبادة الأصنام،ودعا الناس إلى عبادتها ،واشتّدّ في ذلك، فصار يجمع المؤمنين ويخيّرهم بين القتل وعبادة الأصنام، فخاف الضعفاء واتّبعوا دينه، أما من تمسّكوا بدينهم فقد قتل بعضهم ،وبقي الآخرون يعبدون الله في خفية حتى لا يبطش بهم الملك.
-2-
كان في بلاط الملك أمير مشرق الطلعة وسيم ،اختاره الملك ضمن حاشيته لفرط ذكائه، وجعله مستشاره ،وكان هذا الأمير مؤمن ،يعبد الله ولا يستطيع أن يفصح عن دينه،وكان نفر من أمراء المدينة على شاكلته ،فأخفواإيمانهم وعبدوا الله سراً.كان هؤلاء الفتية يتواعدون على اللقاء في أماكن خارج المدينة حتى لا يشعر بهم الملك وأعوانه، ولا يعرف سرّهم إلا راعياً كان يتردد عليهم وينثر حولهم غنمه ، وكلبه يحرس الطريق لهم.
لاحظ الملك تغيّب الأمير عن القصر فترات طويلة، وأمر وزيره بالبحث عنه ،فصار الوزير يتجسس عليه حتى عرف سره، فذهب للملك وأخبره بأمر الأمير والمكان الذي يأوي إليه هو وأصحابه ،فأمر الملك بتشديد الحراسة على أبواب المدينة والقبض على الفتية حين عودتهم.
-3-
أمسك الجنود المتهمون وساقوهم أمام الملك ، واعترف الفتية بعبادتهم لله وحده وكفرهم بالأصنام ،حكم الملك عليهم بالإعدام ،وسيق الذين آمنوا إلى السجن ليُعدموا صباح الغد أمام الناس ليكونوا عبرة لكل من تحدث له نفسه بالخروج على دين الملك.
وفي الليل لاحظ السجان أن أحد هؤلاء المساجين يقرأ في لوح آيات الله ،وأدهشه ما رآه على وجوههم من الثبات والإطمئنان ،لا يعبئون بالموت الذي ينتظرهم ،فمال إليهم السجان وفتح لهم باب السجن فخرج الفتية وانطلقوا في ظلام الليل إلى فضاء الله.
ذهب الفتية إلى الراعي وطلبوا منه أن يدلّهم على مكاناً أميناً ليختبئوا فيه، وفعلاً أخذهم الراعي إلى كهف بعيد ،فذهبوا إليه ودخلوا الكهف وجلسوا في فجوة منه ،أما الكلب فقد نام قرب الباب ومدّ ذراعيه ،ولما أخذ كل منهم مكانه دعوا الله فقالوا :ربنا آتنا من لدنك رحمة ،وهيئ لنا من أمرنا رشدا، ثم ناموا فكانت عيونهم مفتوحة ،وأجسامهم ساكنة تحسبهم أيقاظاً وهم رقود.
"أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا..إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا..فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا..ثم بعثناهم لنعلم أيّ الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا."
غضب الملك حينما علم بهروب الفتية وأخذ يهدد ويتوعد ،ولكن دخل عليه الوزير وبشّره أن الجنود تتبّعوا آثار أقدام الفتية وعرفوا مكانهم.سار الملك بجنوده حتى وصل إلى الكهف ،وأمرهم بالدخول وإحضار الفتية ولكن خاف الجنود من منظر الكهف ورفضوا الدخول فاقترح الوزير أن يقوموا ببناء محكم يسدوا به باب الكهف فيموت من بداخله.أعجب الملك بالفكرة وأمر بتنفيذها فوراً وعاد الملك إلى المدينة وهو متأكد من هلاك الفتية.
-4-
مرّت الأعوام ،وجاءت أجيال بعد أجيال، وأهل الكهف يتقلبون كما يتقلب النائم ،ونسي الناس أمرهم وتغيرت المدينة ومات الملك وجاء بعده ملوك وملوك ، وكثرت المساجد وهدّمت الأصنام وصار معظم سكان المدينة من المؤمنين. أما أهل الكهف فقد ظلّوا نائمين حتى بُلي البناء الذي كان يسد باب الكهف ودخل بعض الهواء وشعاع ضوء ،فأنعش النائمين واستيقظوا،أحسّوا بالجوع ،وهم يظنون أنهم ناموا لمدة يوم أو بعض يوم ،فقرروا إرسال أحدهم ليجلب لهم طعام من المدينة على أن يتخفى جيداً حتى لا يتعرف عليه أحد فيخبر الملك الظالم.
"وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطّلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا..وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أذكى طعاماً فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا."
خرج الفتى وكان هو الأمير مستشار الملك السابق متخفياً وهبط الوادي واتجه إلى المدينة ،فوجد الأرض اختلفت معالمها ،ولم يتعرّف على أحد فيها ولما ذهب إلى السوق وجد الناس يحلفون باسم الله ،فظن الفتى أنه جن وعزم على مغادرة المدينة في أسرع وقت ،فذهب لشراء الطعام وقدم النقود للبائع فدهش البائع وظن أن الفتى حصل على كنز، فقبض عليه هو وزملائه الباعة واقتادوه إلى الملك ،وعندما رأى الملك قطعة النقود عرف أنها كانت مستعملة منذ مئات السنين ،ولكن الفتى أصر أنه أخذ هذه النقود من أبيه بالأمس فقط.
وكان هناك شيخ في حاشية الملك يستمع لكل ما يقال ،فعرف أنه من أصحاب الكهف الذين فرّوا بدينهم من ظلم الملك منذ ثلاثمائة سنة وتسع سنين.
طلب الملك من الفتى أن يدلّهم على مكان باقي أصحابه ،واجتمع الناس وسار الفتى في مقدمتهم ليدلهم على مكان الكهف ،واستأذن الملك ليخبر باقي الفتيان بالأمر حتى لا يفزعوا ،ودخل الفتى واخبرهم أنهم ناموا هذه الفترة الطويلة وحكى لهم القصة وطلب منهم أن يخرجوا لمقابلة الملك .عند ذلك أحسّ أهل الكهف بثقل أجفانهم ،فناموا مرة أخرى ولكن هذه المرة كانت نومتهم الأخيرة وأماتهم الله.
انتظر الملك أن يخرج الفتية ولما تأخر خروجهم أمر جنوده بالدخول فوجدوهم جثثاً هامدة ،فقال لقومه :هؤلاء فتية آمنوا بربهم ،فرضي عنهم وجعلهم عبرة وآية ،لنعلم أن الذي أيقظهم من نومهم بعد أكثر من ثلاثمائة سنة قادر على أن يحيي الموتى ،فيبعثكم من قبوركم يوم القيامة ليحاسبكم على أعمالكم في الدنيا .فقال الناس لنتخذن عليهم مسجدا.....
تحياتي